الاثنين، 7 فبراير 2011

التشخيص والتدخل المبكر للحد من الإعاقات الوراثية

عرف الإعاقة بأنها قصور في الأداء السوي للعمل الوظيفي والجسماني أو العقلي لدى الإنسان، وتسبب الإعاقة مشكلات صحية وتربوية واجتماعية ونفسية تختلف في شدتها ومضاعفاتها باختلاف نوع الإعاقة ومدى تأثيرها على الفرد والأسرة والمجتمع.
والإعاقات في مجملها مزمنة، وكون التأهيل في معظم الحالات لا يصل إلى مرحلة الشفاء من المرض أو التأهيل الكامل، ولذا فإن من الأهمية بمكان أن يتم التشخيص والتدخل العلاجي في مراحل مبكرة وذلك بهدف التقليل من المضاعفات عند حدوث الإعاقة أو الحد منها قدر الإمكان.
وقد أدى التقدم العلمي والتقني في العقدين الأخيرين إلى استنباط وسائل تشخيصية في مراحل مبكرة تمكن من التدخل المبكر والحد بفعالية من الأمراض الوراثية المزمنة والمعقدة (1، 2، 3)، كما أن للاسترشاد الوراثي الوقائي بعد التشخيص دوراً رئيساً للحد من الأمراض المستعصية ومكافحتها والوقاية منها (4، 5، 6).

الإعاقة الوراثية والتشخيص الوراثي:
تنتج الإعاقة عن عوامل مختلفة، منها اعتلالات وراثية وأخرى بيئية (جدول 1)

(جدول 1) أهم العوامل الرئيسة المسببة للإعاقات

وتسبب الاعتلالات الوراثية، الناتجة عن تغيرات في صبغيات أو المادة الوراثية، إعاقات وأمراضاً مستصية، كما أن فترة حدوث هذه المسببات، وبالتالي التغيرات المؤدية إلى درجات من القصور والعجز والإعاقة في مراحل مختلفة من العمر، قد تكون عند تكوين الجنين أو خلال فترة الحمل، أو ما بعده بأيام أو شهور أو سنوات، تبعاً للمسببات وأنواعها.
ومن الجدير بالذكر أن العديد من الأمراض المزمنة التي تكون الاعتلالات الوراثية جانباً من أسبابها وتكوّن البيئة جانباً آخر، ولا تظهر أعراضها الصحية إلا في مرحلة متأخرة من العمر، ومن ذلك الأمراض عديدة المسببات، كمرض السكري وبعض اعتلالات القلب والأوعية الدموية وأمراض اضمحلال الجهاز العصبي وضمور العضلات وبعض الأمراض السرطانية وغيرها (8، 9).
وخلال النصف الثاني من العقد العشرين، تنامت استكشافات التقنية في مجالات علوم الوراثة، وفي ضوئها توسعت تطبيقاتها في مجال التشخيص الطبي لعدد غير قليل من الأمراض الوراثية، وأصبح بالإمكان استخدام قطرة دم، أو كمية ضئيلة من الخلايا المحتوية على النواة من أي مصدر، في إجراء التشخيصات المخبرية لاكتشاف اعتلالات المادة الوراثية المؤدية لعدد من الأمراض الوراثية والاستقلابية المصحوبة بإعاقات مختلفة (7) (جدول - 2).

جدول (2) أمثلة للاعتلالات الوراثية المسببة للإعاقة

كما مكنت هذه التقنية من الكشف المبكر بعد الإخصاب، أو أثناء الحمل، أو في مرحلة مبكرة بعد الولادة، والكشف عن الاعتلالات في مرحلة الطفولة، وبعد ذلك لدى الحاملين للاعتلالات الوراثية المتنحية (المستترة) والتي لا تظهر أعراضها الصحية على الحاملين لها (جدول - 3).

جدول (3): مراحل إجراء الكشف المبكر والتشخيص الوراثي

نمط التوارث للصفات الوراثية:
تحدث الأمراض الوراثية نتيجة اعتلالات في الحقيبة الوراثية (الحمض النووي) كما تحدث نتيجة اعتلالات صبغية (كروموزومية) تسبب تشوهات خلقية أو إعاقات جسدية وعقلية، ومن النوع الأول الاعتلالات الوراثية المتنحية.
ويوضح الشكل (1) نمط التوارث للصفات المتنحية (المستترة) لاعتلالات المورثة المفردة من الأب والأم، والتي ينعكس فيها «النمط الجيني» كمرض في النمط الظاهري (في حالة تماثل المورثات كجينات معتلة يغيب عندها المورثات السليمة)، وتتنحي (تستتر) فيه الصفة المعتلة في النمط الظاهري فلا تظهر كمرض (حيث تتنحى لتغلب الصفة السائدة السليمة التي تتواجد معها) وبالتالي لا يظهر المرض على حاملي هذه الصفات إلا في حالة توارث الصفة المعتلة من كل من الأب والأم.
أما في الحالات التي يكون فيها الاعتلال هو السائد فيظهر المرض (في حالات تماثل المورثات المعتلة) وفي حالات اختلافها (حيث يكون بعضها معتلاً وبعضها الآخر سوياً، حيث تكون المورثات المعتلة هي السائدة على المتنحية)، وبالتالي يظهر المرض على جميع الحاملين والمصابين على السواء.

(شكل - 1) توريث الاعتلالات الوراثية من الأبوين الحاملين للموروثات المعتلة للأبناء

مراحل إجراء التشخيص المبكر للصفات المتنحية (المستترة):
ويعتبر المسح الوراثي، والمتمثل في تشخيص الأمراض الوراثية على نطاق واسع - سواء إجراء فحوص ما قبل الزواج، أو ما قبل زرع النطفة في الرحم، أو الفحص العام للأطفال في سن دخول المدرسة أو أفراد المجتمع - والمتبوع بالاستشارة الوراثية الوقائية للحاملين للمورثات المعتلة - أكثر الطرق الوقائية فعالية، حيث يهدف المسح الوراثي، إلى الحد من اقتران حاملي المورثات المعتلة وبالتالي الحد من الولادات المصابة بالمرض الوراثي.
 
1- التشخيص قبل الزواج:
تعمل الجهات المعنية في مختلف المجتمعات على توفير خدمات وقائية عن طريق التوعية الصحية وتفسير الأنماط الوراثية - في حالات خطر الإصابة بالأمراض الوراثية - في ضوء نتائج الفحوص الطبية والتحاليل المخبرية، وذلك من خلال التشخيص الوراثي الوقائي وبخاصة في مرحلة ما قبل الزواج لاكتشاف الحاملين للمورثات المعتلة (شكل - 2).

شكل (2): الفحص قبل الزواج للكشف عن الأمراض الوراثية المتنحية

 
2- التشخيص قبل غرس اللقيحة في الرحم (الانتقاء كوسيلة لولادة أطفال أصحاء):
يتم تلقيح البويضة المأخوذة من الزوجة بالحيامن المأخوذة من الزوج خارج الرحم، ويتم استكثار الخلايا في مستنبت ثم يؤخذ عدد من الخلايا في عمر ثلاثة أيام، ويتم إجراء التشخيص الوراثي عليها للتأكد من خلوها من الاعتلالات الوراثية. وعند ثبوت خلوها من الاعتلالات الوراثية يتم زرع الخلايا المتكاثرة في رحم الزوجة لولادة طفل سليم بإذن الله.
وتمكن هذه الوسيلة الأسر، وبخاصة من لديهم مصابون بأمراض وراثية متنحية من إنجاب أطفال أصحاء (شكل 0 3).

شكل (3): التشخيص قبل غرس اللقيحة

 
3- التشخيص أثناء الحمل:
يمثل إجراء ونتيجة الفحص أثناء الحمل معضلة شرعية، إن ثبت إصابة الجنين بمرض وراثي (11) إلا أنه في المقابل يؤدي إلى طمأنة الوالدين في حالة خلو الجنين من الإصابة، وتكمن المعضلة في كون الفحص أثناء الحمل يجري - في العادة - عن طريق فحص عينة من الزغابات المشيمية خلال الأسابيع من العاشر إلى الثاني عشر من الحمل، وتحمل الفحوصات خطر الإجهاض والتشوه الجيني إن أجري التحليل بعد ذلك (شكل - 4).

شكل (4): طرق التشخيص أثناء الحمل والإجراءات المحتملة في ضوئها:

وتهدف الفحوصات التي تجري أثناء الحمل إلى التشخيص المبكر للاعتلالات الوراثية المسببة للإعاقات ووضع الاستراتيجيات الملائمة للتدخل المبكر سواء جراحياً أو باستخدام العلاج بالمورثات لتصحيح بعض الاعتلالات الوراثية خلال مرحلة الحمل لتقليل فرصة حدوث الإعاقات أو التخفيف من حدتها ومضاعفاتها.
 
4- التشخيص عند الولادة:
يتم التشخيص عند الولادة (12) بأخذ عينة دم من الحبل السري للمولود وإجراء الفحص المخبري والوراثي لها بهدف التشخيص المبكر للاعتلالات الوراثية ومن ثم وضع برامج التدخل المبكر سواء جراحياً أو علاجياً لتصحيح الاختلافات الوراثة التي قد تؤدي إلى الإعاقة، وكذلك وضع برامج التأهيل الملائمة لها (شكل - 5).

شكل (5): تشخيص الاعتلالات عند الولادة:

وتهدف الفحوصات المخبرية والوراثية التي تجري عند الولادة إلى التشخيص المبكر وإعداد خطة الرعاية والتأهيل الملائمة للمصابين لتقليل فرصة حدوث الإعاقات أو التخفيف من حدتها ومضاعفاتها وإتاحة المجال للتدخل الجراحي (للتشوهات الجسدية) أو العلاج الدوائي أو بالمورثات (13) (إن أمكن) لتصحيح بعض الاعتلالات الوراثية.
 
الخلاصــة:
في ضوء الفتوحات العلمية وإثراء المعرفة، فإن التشخيص المبكر والتدخل المبكر يحتلان أهمية أكثر إلحاحاً وقبولاً وذلك في ضوء قبول معطياتها وإثبات فعالياتها في الحد من حدوث الأمراض المستعصية والإقاعات الوراثية ومكافحتها والتقليل من مضاعفاتها الصحية والاجتماعية والنفسية.
ومن خلال التشخيص المبكر والتعرف على المسببات الوراثية أو البيئية للإعاقات يمكن إعداد الخطة المناسبة للتدخل المبكر والملائمة للحالة قيد النظر والمتوافقة مع المعطيات والمتماشية مع التقاليد المرعية والأخلاقيات والمقتضيات الشرعية ويشمل ما يلي:
- وضع خطة وقائية من الأمراض المزمنة والمعقدة متكاملة تشمل الفحص والتشخيص قبل الزواج، وبعد الحمل والولادة.
- إعداد وتنفيذ خطط وبرامج التوعية الصحية والتثقيف الصحي الوقائي بين فئات المجتمع.
- توفير خدمات الإرشاد الوراثي الوقائي للمجتمع (14، 15).
- توفير خدمات الرعاية والتأهيل للمعوقين، وتقويم الخدمات المتوفرة والمحتاجة من قبل المعوقين وتطويرها وتحسينها والعمل على تأمين احتياجهم منها.
- إعداد وتنفيذ برامج تأهيلية شاملة تهدف إلى دمج المعوقين بالمجتمع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق